لا لمعراب جديد ولا لتوافق يعجز الرئيس المقبل

كتب محمد الحسن

تلتقي وقائع التاريخ في لبنان على ثوابت متعددة لعل أبرزها ان الصراعات المارونية المارونية هي الاكثر حدة وفي بعض التاريخ هي الاكثر دموية . ولكن في الجانب الآخر لا يبدو أن خلافا مارونيا استمر طويلا ، او انه كان لا بد من صلح ، والمصالحات المارونية متعددة لعل أبرزها وئام سليمان فرنجية مع ميشال عون ، ثم رحلة التنسيق السياسي بين المردة والتيار الوطني الحر التي راعاها بيك زغرتا رغم محاولات اقصائه في السياسة من قبل التيار نفسه ، ثم جاء اتفاق معراب الذي بدا في الشكل وللوهلة لأولى استدراكا لأزمة الشارع بين الجانبين ليتضح بعد ذلك انه كان تقاسما لسلطة وتوزيعا للمغانم بين الجانبين وفي النص المسرب اكثر من ذلك وأقل منه بقليل.
الاتفاق اجهضته الرئاسة او لنقل طموحات جبران باسيل مع حفظ الالقاب في الاحتفاظ لنفسه بالسلطة ومرات تجاوز الرئيس ميشال عون نفسه .
تطورت الأمور واخذت منحى تصاعديا بين الجانبين وذهب الاتفاق ادراج الرياح وعلى سبل المتاعب والاستحقاقات السياسية ، ولعله بقي صامدا في مكان ما خاصة لجهة منع التوترات الأمنية بين الجانبين وسحب فتيل الصراع الدموي اقله حتى الساعة .
وايضا برزت المصالحة بين القوات اللبنانية والمردة وحيث حظي رئيس المردة بالثناء الكبير وهو ينتزع من قلب التاريخ مصالحة تتجاوز احداثا بالغة الدقة والحساسية بالنسبة له وبالنسبة لزغرتا والقضاء، وقد تمكن سمير جعجع وسليمان فرنجية من كتابة تاريخ جديد لتلك العلاقة التي شخطت فيها الحرب صفحات قاسية المضمون والمسار .
ولكن
مجددا يعترض الوقائع استحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ومجددا يعلق الاستحقاق في زاوية التسوية التي يفترض بها ان تخرجه الى رحابة الإنجاز التاريخي ، نعم سيكون الإنجاز تاريخيا، وليست المعطيات المتوفرة حتى الساعة ملهمة كفاية لتحسم أمر التوقعات ولصالح من ستؤول الرئاسة.
الآن
يمنع جبران باسيل فلانا من المضي قدما ، وتعطل ما صار يعرف بالمعارضة مسارا معينا ، والقوى التي تتذرع بالورقة البيضاء تتسلح بالتوافق المرغوب.
والمسألة تحتاج بين الجد والهزل الى مؤشر كامل بمعطيات خارجية غير مكتملة النضوج وعبثا يحاول المحاولون.
وربما ذهبت القوى المسيحية الى اتفاقات جديدة كمعراب جديد مثلا ، ولكن قطعا لا يجب ان يحصل ذلك ، لا يجب ان يقر اللبنانييون بنص شبيه بذاك الذي وقعته القوات والرئيس ميشال عون فيكون قابلا أما ليؤدي الى تقاسم السلطة ، والتقاسم بين فريقين يكون حكما على حساب فريق آخر او فرقاء آخرين ، وإما يؤدي مضمونه الى سقوطه اي الاتفاق، كما حصل مع معراب .
ثم قد لا يحدث ذلك وقد يتحرى اللبنانييون اتفاقا كبيرا على شكل اتفاق الدوحة ، وهنا لا بد من التيقن ان لبنان يحتاج الى رئيس جمهورية يخرج البلد مع حكوماته حكما من هذا المسار البائس على أن لا يكون مستضعفا ولا مستفردا ولا مستبعدا سياسيا ، وان يتمكن من الحكم بالمعنى الواسع والرحب للكلمة ، فلا يفيد لبنان الاتفاق على رئيس يوافق على التفريط بثقة الناس فيكون معزولا شعبيا ولا يواجه السياسيين فيفرد في بعبدا مع مستشاريه.
لا يمكن لرئيس مكبل بالاثقال اللبنانية ان ينجو لا من غضبة الحاضر ولا من عوامل المستقبل ولا من حكم التاريخ .
هو لبنان الذي يحتاج اليوم لا الى رئيس قوي بل الى مقدرة جماعية تعطي الرئيس نفوذا يعبر الى استرداد الدولة والناس ويصالحهما معا .