وجود الدولة … في آخر جولة

كتب الإعلامي الدكتور باسم عساف :

 
 *وجود الدولة ... في آخر جولة ...*


    *جاء قرار قيام دولة لبنان الكبير ، بقرار دولي إثر إتفاقية سايكس- بيكو بين فرنسا وبريطانيا ، التي توزّعت الترِكة التركية ، من غنائم المنطقة العربية الوسطى، إثر إنتصارها بالحرب العالمية الأولى ، وكان لبنان وسوريا من نصيب فرنسا ، التي عينت المفوض السامي (الجنرال غورو) ليكون وصياً منتدباً لحكم هاتين الدولتين ، اللتين فصلهما بحدود مصطنعة ، بعد توسيع الأرض المخصصة للبنان ، وضم الشمال والجنوب والبقاع ، إلى بيروت وجبل لبنان كما كانت في عهد المتصرفية أيام الحكم العثماني ، لذا أطلق عليه:( دولة لبنان الكبير) ، ووضع له نظام حكمٍ مدنيٍ مُعَرَّب عن النظام الفرنسي ، مع بعض الرتوش ، التي تتناسب مع باقي الطوائف والفئآت المضافة إلى طوائف المتصرفية ، ومع ثبات الحفاظ على إمتيازاتها ونسبتها المدوَّلة أصلاً...*
   إنطلقت الدولة اللبنانية في ظل الوصاية الفرنسية التي أطلقوا عليها : الإنتداب الفرنسي ، والذي إستمر حتى إعلان الإستقلال سنة /١٩٤٣ ، وإستمرت الدولة اللبنانية برجالاتها وفئآتها ، التي تدور في فلك فرنسا ، ومثيلاتها من القوى الدولية التي باتت تتعاظم أدوارها وتنتشر هيمنتها على المنطقة العربية وفي مقدمتها : أميركا وروسيا وإسرائيل ... إلخ ، إضافة إلى ما إستجد مؤخراً من صراعات إقليمية ، أدخلت قوى جديدة على الساحة اللبنانية وفي مقدمتها : إيران والسعودية وتركيا ... إلخ ، ويضاف عليها ما إستجد أيضاً على الأرض اللبنانية من دخول اللاجئين الفلسطينيين ، والمهجرين العراقيين ، والنازحين السوريين ، ليضافوا جميعاً إلى المهاجرين من كردستان وأرمينيا في وقت سابق ، فباتت الدولة اللبنانية تئِنُّ تحت أحمالٍ وأثقالٍ تعجز عنها الدول الكبرى والمنتجة ...
 *لبنان هو بالأساس ، بلدٌ مركبٌ تركيباً نظامياً ، وسياسياً ، وطائفياً ، ومذهبياً ، بالتبعية الدولية والإقليمية والعربية ، التي تجعله ينقاد إلى هؤلاء جميعاً ، أو بالأحرى إلى الأقوى فالأقوى ، حيث تدور المجريات وفق خارطة الطريق المتفق عليها دولياً ، ثم إقليمياً ، وعربياً ومحلياً وجميعهم في فلكٍ واحدٍ يسبحون ، ويسلكون الطريق التي تنفِّذ رغبات من وضع الخارطة ، ليصلوا إلى الغاية التي تبرر وسيلتهم ، للهيمنة والتسلط على المنطقة ومنها لبنان ...*
    هكذا تأقلمت الدولة اللبنانية ، أو قادة العمل السياسي في لبنان ، المهيمنين على مفاصل الدولة ، والمتسلطين على مؤسساتها وأجهزتها وسلطاتها ، والمتمركزين هم أو أنسباؤهم وأعوانهم وأصهارهم على المناصب والكراسي والمسؤوليات الكبرى والصغرى ، ليكونوا في منظومة واحدة ، تتبادل الأدوار والممارسات والترتيبات ، التي تصبُّ جميعها في خارطة الطريق ، تماشياً مع التبعية والإرتباط السياسي أو الطائفي أو المذهبي ، الذي يدور بفلك الدول العربية أو الإقليمية أو الدولية ، والتي لم تغب يوماً ، عن الدولة اللبنانية منذ الإعلان عنها سنة/ ١٩٢٠ /وحتى أيامنا هذه ... 
    *حيث بانت بوضوح أكثر ، بعد جولات وجولات من الأحداث ، والمتغيرات والمستجدات ، التي تدل على القرار الخارجي ، والذي يقود وينظم القرار الداخلي بكل تفاصيله ، من أعلى الهرم إلى أدناه ...*
   اليوم ... وبعدما دارت في لبنان وما حوله بالمنطقة ، من أحداث ومستجدات سياسية وأمنية في ظل صراعات دولية وإقليمية تصب في الهيمنة والتسلط على بلدانٍ وأراضٍ وشعوبٍ بالمنطقة وفق خارطة الطريق ، التي وُضعت بالأساس للوصول إلى هذه النتيجة المرتجاة ، ومنها تقسيم الدول إلى دويلات ، وتفتيت الشعوب إلى طوائف ومذاهب وإثنيات ، وتشتيت الأحزاب والمبادئ والأفكار إلى فلسفات ونظريات ، تتفاوت وتتضارب بالتحديات ، لتبقى مستدامة في المواجهات ، ويبقى أسياد الخارطة في أبهى حياة ، يقفون شامتين على شعوبٍ نالت منهم الشتات ، وأيضاً القتل والتدمير حتى الممات ...
    *هكذا تواجه الدولة اللبنانية ، ما تواجهه معظم الدول العربية أو الإقليمية التي تطالها وتتضمنها خارطة الطريق ، وقد شهدت جميعها الهزات المتداولة ، والتي تتراكم أزماتها كما في لبنان الذي يهتز ويتهاوى أكثر من غيره ، حيث أن تركيبته الهشَّة كالبازل المتنوعة بالمشهد ، المؤلف من قطع متفاوتة ، ومن فئآت متعارضة بالمصالح والمآرب والمشارب ، قد تفككت وتجزأت بفعل أحداثٍ تتجدد بفترات متعددة ومتفاوتة ، قد أثرت على كيان الدولة ومؤسساتها وحتى على سلطاتها التشريعية والتنفيذية وحتى القضائية مؤخراً بشكلٍ محبطٍ وهزيلٍ ، ليضع اللبنانيون أياديهم على قلوبهم لئلا يصل هذا الإحباط إلى مؤسسة الجيش والقوى الأمنية ، التي لا زالت تقف على أرجلٍ ثابتة بالمواجهة السياسية والأمنية ، التي تمنع الدولة والوطن من الإنهيار الكبير والأخير ، إن تفشت جائحة آخر جولة ،في تقويض مؤسسات الدولة ...*