رئيس مصلحة مياه لبنان الشمالي الدكتور خالد عبيد: مياه طرابلس نظيفة وأشرب منها انا وعائلتي.في حال إنقطاع الكهرباء ستكون المدينة امام كارثة
كتبت ليلى دندشي
منذ أن بنى الفينيقيون مدينة طرابلس في المكان الذي يدعى اليوم بمدينة الميناء، شكلت قضية مياه الشفة مسألة هامة لعدم وجود نبع ماء قريب من البلدة الجديدة، لكن الفينيقيين تمكنوا من تذليل هذه الصعوبة بمد قناة من القساطل الفخارية وجروا المياه بواسطتها من نبع هاب وهكذا تمكنت المدينة من الحصول على المياه، وهذه القساطل بقيت حتى عهد قريب بحيث أن من يجري حفريات في محلة ”أرض البلحة “في الميناء كما يقول المؤرخ سميح وجيه الزين في كتابه تاريخ طرابلس قديما وحديثا، يجد آثار هذه القساطل لليوم.
وبعد أن تم تعمير طرابلس في مكانها اليوم بقيت قضية مياه الشفة ولم يتمكن أهالي الاسكلة أي الميناء من حلها إلآ باللجوء إلى تجميع مياه الأمطار لإستخدامها في شتى النواحي الحياتية.
وقد عانت المدينتان من تلوث المياه إلى ان جرى تزويد الميناء بمياه رشعين ثم بمياه هاب، أما في طرابلس فقد أنشأ الصليبيون قساطل لمياه الشفة أسالوها من نبع رشعين قرب زغرتا وبنوا القناطر المعروفة بقناطر البرنس على “نهر أبي علي” بين القبة وأبي سمراء وبقيت هذه القساطل وهذه المياه الجارية إلى وقت قريب حيث دُمرت قناطر البرنس على عدة مراحل ولكن أكبرها كان عند الطوفة الكبرى للنهر.
وطبعا تتوقف سجلات المدينة عند حدث هام حين عمد المهندس رشدي سلهب وبدعم من الدكتور عبد اللطيف البيسار وتشجيع من رجالات المدينة وفي مقدمهم الشيخ محمد الجسر الذي كان يترأس آنذاك مجلس النواب اللبناني في العام 1928 فوضع سلهب التصاميم الفنية لجر مياه نبع رشعين إلى طرابلس وزغرتا والميناء وتقسيم كمية المياه على الشكل التالي 12 ألف مترا مكعبا لطرابلس والميناء و2000 مترا مكعبا لبلدة زغرتا فصار الناس يشربون ماء صحيا إعتبارا من العام 1935 كما يذكر الدكتور المرحوم نزيه كبارة في كتابه طرابلس في القرن العشرين.
ويذكر الاستاذ غسان الحسامي في كتابه “عبقري من طرابلس” أن جده الأكبر رشدي سلهب كان له الفضل الاكبر في جر هذه المياه إلى طرابلس والميناء وتأمين مياة الشفة لسكانهما الذين كان عددهم يناهز السبعين ألفا، وقد تزامن ذلك مع إنشاء مصلحة مياه طرابلس.
ومع كل هذه التحسينات عانت المدينة من صعوبات تبدأ بنقص مياه الشفة من وقت إلى آخر ومن إنقطاعها، وهذا الأمر معروف وطبيعي نظرا لإرتفاع عدد السكان في كل من طرابلس والميناء وزغرتا وجوارها، وحاولت المصلحة سد هذه الثغرات من خلال جر مياه نبع هاب ولكن إرتفاع عدد النازحين من جهة وتزايد إستهلاك مياه الشفة ادى بمصلحة المياه إلى البحث الدائم عن مصادر لتأمين الحاجات المتزايدة من المياه والحفاظ على جودتها ونظافتها.
وإن كانت هذه الهموم قد واجهت معظم المسؤولين الذين تسلموا إدارة مصلحة مياه طرابلس وكانوا على قدر المسؤولية، فبالطبع أن المدير الحالي للمصلحة الدكتور خالد عبيد كان همه من اللحظة الأولى التي تسلم فيها منصبه كمدير عام لمصلحة مياه لبنان الشمالي أن يجد الحلول لهذه المسائل بصورة دائمة.
وكان من الطبيعي أن نجري معه هذا الحوار في مكتبه بطرابلس في ضوء إزدياد المعاناة في بعض المناطق اللبنانية من جراء الإصابة بالإسهالات وتزامن ذلك مع إنتشار عدد من الأوبئة والشكوى التي إرتفعت من الأهالي بسبب عدم نظافة مياه الشفة، وقبل ذلك ما يتكبدونه من خسائر وصعوبات من جراء الإنقطاع الدائم للمياه عن منازلهم ومؤسساتهم وليتركز الحوار مع الدكتور عبيد حول مجمل هذه القضايا وما إذا كان الطرابلسيون يعانون منها أيضا.
ويتناول الدكتور عبيد في مستهل الحوار الفترة الأولى من عمله في التعاطي مع قضايا المياه حيث تم تعيينه في العام 1990 مسؤولا عن لجنة “مياه نبع الزحلان” في الضنية وكانت هذه اللجنة مسؤولة عن قضايا مياه الشفة والري في ثماني قرى في الضنية على غرار اللجان المشكلة في سائر المناطق الجبلية.
ويقول كنت أتابع الأعمال الإدارية وما يتعلق بالشؤون المالية والمحاسبة وبكل شاردة وواردة ثم تم تعييني في العام 1995 مديرا لمصلحة مياه الضنية والمنية لإدارة مياه الشفة والري على غرار ما تم إنشاؤه من لجان مشابهة آنذاك في مناطق الكورة والبترون وزغرتا وبشري وعكار، ففي كل قرية كان هناك لجنة محلية وتليها لجان تدير مجموعة قرى بمعدل خمس قرى ويتم تعيين هذه اللجان من قبل وزير الموارد المائية والكهربائية أو بقرار من المحافظ، إضافة إلى متطوعين يعملون في مجال الإشراف على توزيع المياه ، ومع إنشاء المصالح بدأت التنظيمات تتحكم بعمل وإدارة هذه الدوائر التي اصبحت تتمتع بالهيكليات المؤسساتية فأصبح لها نظام وهيكلية إدارة تشرف على أعمال الأبحاث والتوجيه وإجراء اعمال التفتيش والتقيد بالمتطلبات الوظيفية إضافة إلى التقيد بالتوجيهات الصادرة عن مجلس الخدمة المدنية وعن الوزارات المعنية.
وحصل في تلك المرحلة تحرك سلبي من قبل الموظفين القدامى الذين علت اصواتهم عندما شعروا ان هناك من يحاول إستبدالهم بموظفين جدد يمكن الإستعانة بعلومهم ودراساتهم الجامعية وطلب المسؤولون من العمال القدامى الخضوع لمباريات قبيل التثبيت.
ويقول الدكتور عبيد لقد تم خلال تلك الفترة إيجاد موظفين كفوئين جدا ولكن الغالبية منهم قد تقاعدوا ونحن كسائر المؤسسات الرسمية بحاجة لهذه الكفاءات بشكل مستمر.
ويشير إلى أن مصالح المياه في الأقضية لا تشبه بعضها من حيث التسميات ففي الكورة مثلا هناك مصلحة مياه الكورة للشفة، بإعتبار أن الكورة لا تعتمد على مياه الري في مزروعاتها بينما في قضاء مثل المنية الضنية فالمصلحة إسمها (مصلحة مياه الضنية المنية للشفة والري) وفي عكار والبترون وبشري هناك مصالح مياه كما هو الحال في طرابلس.
ويضيف عندما إستلمت إدارة مصلحة مياه طرابلس كان همي ولم يزل كيف أؤمن مياه الشفة لكل الناس ولم يكن هناك مشكلة تتعلق بالري، أما بخصوص مصلحة مياه البترون فهناك مشكلة الري وعندما صدرت مراسيم 1997 جرى تكليفنا بأن نعمل كمصالح بكل ما تحتاجه هذه المناطق وأن نتريث إلى حين دمج هذه المصالح وهكذا بقينا 4 سنوات إلى ان صدر مرسوم بدمج هذه المصالح في قانون رقم 221 عن مجلس النواب الذي أنشأ مؤسسات عامة للمياه في كل المحافظات وبذلك اصبح للشمال وعكار مؤسسة واحدة هي مياه لبنان الشمالي.
وسئل هل نستطيع ان نؤكد أن رسالتكم اليوم هي تأمين وتوفير مياه مستدامة عالية الجودة للناس؟
أجاب: هذه هي رسالتنا الحقيقية فلا وجود لا للكورونا ولا للكوليرا، ولقد سمعنا الكثير عن المياه في الشمال من منظمات وبلديات ولكن نحن نقوم بعملنا والمياه التي نؤمنها للناس هي نظيفة 100% ووفق أعلى معايير الجودة ولازلنا محافظين عليها وسنبقى نسير بهذا الطريق، وهناك بعض الناس لديها مصادرها الخاصة من المياه، مثلا هناك ابنية في طرابلس او في الريف يقوم أصحابها بتأمين المياه من مصادر مختلفة، ونحن لا نستطيع ان نقول بأنها نظيفة او انها غير ذلك، وأقول للمشتركين لدى المؤسسة (مصلحة مياة لبنان الشمالي) اننا نؤمن لهم الماء ونرعى شؤونهم ومياهنا تتمتع بأعلى معايير الجودة المعتمدة عالميا.
وردا على سؤال ما إذا كانت مياه طرابلس تخضع للفحص المخبري؟ يقول: نحن لدينا مختبر من اهم مختبرات لبنان موقعه في منطقة المنار في ابي سمراء وفي كل قضاء هناك مختبر مماثل وهذا يشمل الضنية،المنية،حلبا،البترون،الكورة،بشري،زغرتا، القبيات، وكل من هذه المختبرات يتابع شؤون المياه ضمن نطاق إستثمار الدائرة ،ولدينا جداول يومية تصدر حول نوعية المياه الموزعة في الشبكات في شمال لبنان، فكل دائرة لديها جدول إعتيان يومي وإسبوعي وكذلك هناك عدد محدد من الأماكن والمصادر نذهب إليها ونأخذ منها عينات ماء ونفحضها لنتأكد أنها خالية من الأوبئة والجراثيم وفي الوقت نفسه نعالج هذه المياه بمعنى اننا لا نرسلها من دون معالجة لنتأكد بأنها نظيفة 100% وعندما نتأكد من نظافتها نقوم بتوزيعها بعد ان نقيس نسبة الكلور في الشبكة ولدينا في طرابلس إعتيان بكل المناطق حيث نقوم في اليوم الثاني بالتأكد من نظافة المياه في مناطق أخرى ونحصل على عينات لنتأكد خلوها من اي ملوثات، ومؤخرا ومع ظهور الكوليرا اضفنا على المختبر فحصا خاصا بهذا الوباء.
واكد مجددا: المياه التي نوزعها هي نظيفة تماما ولكن لا أضمن ان تكون الخزانات التابعة للأبنية أن تكون ايضا نظيفة لأنها قد تحتاج إلى تنظيف لاسيما ان البعض قد يترك خزاناته دون تنظيف لمدة خمس سنوات واكثر،وفي هذا الوقت ربما يتسرب إليها بعض الحشرات والديدان. وفي بعض الأحيان نذهب إلى مدرسة معينة نحلل المياه على العداد فتصدر النتيجة بأنها نظيفة ثم يشرب منها الطلاب وتكون ملوثة،ماذا يعني ذلك؟ يجيب: المفروض الإنتباه إلى نظافة الخزان والقساطل معا.
وماذا عن قضية إنقطاع التيار الكهربائي؟ وما إذا كان ذلك يؤثر على نظافة مياه الشفة؟
قال: نحن نقوم بالسهر على موضوع نظافة المياه، وأنا أؤكد اني في منزلي اشرب انا وعائلتي من هذه المياه، وواجبنا يفرض علينا ان نستمر في تأمين هذه المياه النظيفة للناس، ونحن كمؤسسة نسعى إلى تأمين الكهرباء 24على 24 في مؤسساتنا ولذلك يتوجب علينا أن نحصل يوميا مابين 12 و15 الف ليتر من المحروقات وهذا يعني حوالي 600 مليون ليرة في اليوم وعندما تنقطع المحروقات عنا نحاول تأمين الكهرباء من موازنتنا ومن مداخيل الجباية التي إن دلت على شيىء فإنما تدل على اهمية ووجوب قيام المشتركين بتسديد ما عليهم من فواتير لتأمين إيصال المياه النظيفة إلى منازلهم ومؤسساتهم.
وقال: ففي السنة الماضية إشترينا من موازنتنا محروقات بعشرات المليارات وأعتبر ان الناس في مدينتنا ومنطقتنا شعرت بأهمية هذه النعمة بان تبقى المياه متوفرة في منازلهم ومؤسساتهم خلافا لمناطق اخرى في لبنان،وأود ان اشير في هذا المجال انه في ايلول الماضي تم قطع الكهرباء فجمعت فعاليات طرابلس ووضعتهم بأجواء الوضع وطلبنا مساعدتهم ونشكرهم على دعمهم لنا بالمازوت وبشكل خاص نشكر سماحة مفتي طرابلس ونواب المدينة والهيئة العليا للإغاثة ونحذر بانه في حال تكررت هذه المأساة فإن كارثة كبيرة صحية وإقتصادية قد تتعرض لها طرابلس من جراء إنقطاع المياه.