مبادرة عربية “ثلاثيّة”: “استعادة” سوريا.. وانتخاب رئيس للبنان؟
/ جورج علم /
بدأت المملكة العربيّة السعوديّة الإعداد للقمة العربيّة في نهاية آذار، إلاّ إذا أرجئت الى موعد آخر بسبب حلول شهر رمضان المبارك. يسبق الموعد إجتماعان لوزراء الخارجيّة العرب: الأول، على مستوى الدورة العادية لمجلس جامعة الدول العربيّة. والثاني، يخصص لمناقشة جدول أعمال القمّة.
يحظى هذا الإستحقاق بمتابعة متأنيّة من قبل الدول الأعضاء، لاعتبارات، منها:
إن الدولة المضيفة سترخي بثقلها المعنوي كي تكون القمّة مميّزة، إن لجهة مشاركة القادة العرب، أو لجهة القرارات التي ستصدر عنها.
إنها قمّة عودة سوريا لتحتل موقعها في جامعة الدول العربيّة، إذا سارت الأمور وفقاً لما هو مخطط لها.
إنها قمة جمع الصف، وتوحيد إرادة العرب، والحدّ من نفوذ التدخلات الإقليميّة، في بعض الدول العربيّة.
وتنصبّ الجهود الناشطة حاليّا على محاور ثلاثة:
الأول، تسريع الخطى للوصول إلى تسوية في اليمن، ووضع حد لـ”تراجيديا” الحرب، قبيل انعقاد القمّة.
الأمم المتحدة تطالب المجتمع الدولي بـ 4,3 مليار دولار لدعم النشاطات الإنسانيّة، والإنمائيّة. الإتحاد الأوروبي قدّم 193 مليون يورو مؤخراً. الولايات المتحدة تقول إن الدعم يتوافر بعد الاتفاق على خريطة طريق. رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني يعمل على استضافة جولة جديدة من المفاوضات السعوديّة ـ الإيرانيّة، يكون الملف اليمني في رأس أولوياتها.
وينظر الغرب الأوروبي ـ الأميركي الى هذه الجولة المرتقبة، من منظار مختلف. إنها ـ وفق حساباتهم ـ مجرد خطوة في سياق عام متبع، ويقود في نهاية المطاف إلى الحد من نفوذ التدخلات في اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان. وتشترط السعودية أن يكون الحوار مجدياً ومنتجاً هذه المرة، في حال الموافقة على العودة إلى الطاولة، أقله في ما يتعلّق بالملف اليمني.
الثاني، عودة العرب إلى سوريا، وعودة سوريا إلى الجامعة العربيّة.
لقد فتح الزلزال المدمّر صفحة من التضامن والتعاون مع دمشق. وزير الخارجيّة السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود يعلن أن “هناك إجماعاً في العالم على أن الوضع الراهن في سوريا يجب ألاّ يستمر، أو لا يجب أن يستمر”.
وقال خلال جلسة حوارية في مؤتمر ميونخ للأمن 18 فبراير/ شباط: “يجب معالجة وضع اللاجئين السورييّن في الخارج، والجانب الإنساني في الداخل. إن إجماعا بدأ يتشكّل في العالم العربي على أن لا جدوى من عزل سوريا. وإن الحوار مع دمشق مطلوب في وقت ما حتى يتسنّى على الأقل معالجة المسائل الإنسانية، بما في ذلك عودة اللاجئين”.
يأتي ذلك بعد الزيارة التي قام بها وزير خارجيّة دولة الإمارات العربيّة المتحدة الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان إلى دمشق. وأيضا زيارة وزير الخارجيّة الأردني أيمن الصفدي. ثم زيارة الوفد البرلماني العربي الذي أحدث نقلة نوعية إستناداً الى المواقف التي صدرت عن بعض الأعضاء، بعد الإجتماع مع الرئيس بشّار الأسد.
وتأتي زيارة وزير خارجيّة مصر سامح شكري، لتشكّل حجر الرحى من حيث الثقل، والبعد، والهدف. وعندما تتحرّك مصر، فهذا يعني بداية تحوّل كبير في المشهد العربي تجاه الملف السوري، كما يؤذن ببدء نشاط حيوي على مستوى جامعة الدول العربيّة لتقريب المسافات بين المتباعدين، والبدء بإعداد جدّي للقمّة تحت شعار: “عودة العرب إلى سوريا، وعودة سوريا إلى جامعة العرب لتوحيد الرؤى، والجهود، والتطلعات نحو الحاضر، والمستقبل”.
المحور الثالث، العرب والتحديات.
هناك “أجندة أولويات” فرضت نفسها على الدول العربية: صراع المصالح ما بين الولايات المتحدة وروسيا وتركيا وإيران والصين، على خيرات المنطقة، وأسواق الاستثمار. الحرب في أوكرانيا، والتداعيات على السلم العالمي، وسباق التسلح، وأزمات الطاقة، والغذاء، والركود الإقتصادي. الطموحات النووية، وسعي البعض للحصول على الزر النووي. عودة التطرف في إسرائيل والإنعكاسات السلبيّة على القضيّة الفلسطينيّة، وسياسة الإستيطان، وحل الدولتين، ووضع القدس، والأماكن المقدّسة…
تشكّل هذه المحاور، وغيرها، تحديات عميقة لا يمكن مواجهتها بالإستسلام، واللامبالاة، بل بدينامكيّة هادئة، ناشطة، فعّالة لدى عواصم دول القرار، والأخرى المعنيّة مباشرة بمسارات التطورات، حتى لا تتحوّل الدول العربيّة إلى ساحة لتصفية حسابات الكبار في صراع الجبابرة.
وتتابع الدبلوماسيّة اللبنانية عودة العرب إلى دمشق، ومحاولات إعادة دمشق إلى العرب، وتتوقع انعكاساً إيجابيّاً للتطورات. هناك تمنّ ملحّ من قبل الأمانة العامة لجامعة الدول العربيّة، لانتخاب رئيس بأقرب وقت ممكن، يمثّل لبنان في القمة. هناك توجّه سعودي جدّي، لم تتضح مؤشراته بعد، يؤكد الإهتمام بكسر الجمود. البعض يراهن على الجولة المرتقبة من المفاوضات السعوديّة ـ الإيرانيّة، ويرى أن أي تفاهم حول اليمن من شأنه أن ينعكس على سائر الملفات الأخرى، بما فيها الوضع في لبنان، وضرورة إنهاء مرحلة الفراغ بانتخاب رئيس للجمهورية. البعض الآخر يراهن على مبادرة عربيّة تنطلق من الثلاثي الذي شارك في الإجتماع الخماسي الباريسي، أي مصر والسعوديّة وقطر، لتسريع انتخاب رئيس، وتشكيل حكومة جديدة، وبدء الإمساك بزمام الأمور، والعمل بشكل جدّي مع الدول الشقيقة، والصديقة لإخراج لبنان من الهوّة السحيقة التي بلغها.
يعوّل على هذه المبادرة بمعطيين:
الأول، أن الثلاثي العربي قادر أن يسوّق مع الأميركييّن والفرنسييّن والأوروبييّن، بعض ما ينوي القيام به لإخراج لبنان من حال الإنسداد السياسي.
الثاني، أن بعض الثلاثي العربي قادر أن يسوّق مع إيران بعض ما ينوي القيام به لانتخاب رئيس للجمهوريّة. وإن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيكون في غاية السعادة إذا ما شارك لبنان في القمة العربيّة التي ستستضيفها الرياض بوفد رسمي، برئاسة رئيس الجمهوريّة.