أسلحة الحرب النفسية : غسيل الدماغ

أسلحة الحرب النفسية : غسيل الدماغ


 د. هبة المل أيوب


الحرب النفسية كلنا نسمع عنها ونقرأ ،

إلا ان التبحّر في معناها يأخذنا نحو الفهم العميق عن آلياتها وأسلحتها المعتمدة ،

وعن كيفية التأثير بالخصم او أحد أطراف النزاع،

للوهلة الأولى نقول أن الحرب هي نشوب نزاع بين دولتين يسوده صراع وقتال عسكري ،

لكن غالباً ما يتعقبّها حرب نفسية التي تختلف عنها من حيث الأهداف،

الحرب النفسية هي قتال نفسي يؤثر في الروح المعنوية للخصم أي اتجاهاته وفكره وسلوكه من خلال الإشاعات والدعايات،

عندها يضعف الخصم ويقتنع أنه خاسر ولاجدوى من متابعة الصراع العسكري ويستسلم،

وأحياناً أخرى يشوّه الإعلام الحقائق

ونراه لا ينقل الصورة كما هي انما كما يريد العدو،

لذلك يبقى العقل هو الأداة للفهم والتمييز ، والآداة للحكم بين ما هو صائب وغير صائب،

لكن عملياً  ينخدع الخصم بالحرب النفسية

لأن غسيل الدماغ وأساليب الإقناع تكون العدّة والعتاد لها ،

فما هو غسيل الدماغ ؟

وهل هي ظاهرة اجتماعية؟

وكيف يتم التلاعب بالعقول دون ان يشعر الإنسان بأن ثمّة أحداً يمارس عليه هذه الآلية ؟


ان عملية غسل الدماغ هي أهم أسلحة الحرب النفسية ويمكن تعريفها بأنها : “عملية تطويع المخ وإعادة تشكيل التفكير، وهو عملية تغيير الإتجاهات النفسية”،

في الحقيقة هي ظاهرة إجتماعية لا نراها فقط ضمن نطاق الحرب النفسية،

إنما ضمن جماعات وأحزاب او حتى جماعات إرهابية متطرفة،

لكن اللافت أننا نسمع أحيانا أن فلانا أُجري له غسيل دماغ حيث يرتكب الشخص أعمالاً إجرامية وعمليات سطو

وهوتحت تأثير الجماعة التي تجري له غسيل الدماغ .
في يومنا هذا،

البارز أن التطورات بدأت تساعد الإنسان على زيادة وعيه وقدرته على التمييز بين ما يريد القيام به من أفعال نابعة من الإرادة الحرّة،

وما يريد القيام به وفقاً لإرادة اشخاص آخرون،

بمجرّد أنهم مارسوا عليه

غسيل الدماغ ودفعوه نحو معتقدات جديدة مختلفة تماماً عن المعتقدات القديمة.

لكن ماذا يجري عند غسيل الدماغ ؟ هذا ما سنحاول معرفته؟
 واقعياً عند غسيل الدماغ يجري مسحاً كاملاً للوح الذاكرة

 ، إنه تسلل دون الشعور بذلك وتعطيل عقل ثم إعادة

تشكيل عقل آخر يتناسب مع أهداف العدو ويحقق بذلك الغاية التي يريدها العدو او أي شخص آخر أو جماعة،

أي يمكن التوصيف بأنه تغيير في الدماغ : للإعتقادات، والعواطف حيث يصبح غيرقادر على التحكم الذاتي ، وعلى القيام بسلوكيات توافق ارادته الحرّة ، أي أكثر تحديداً هي أفعال تقوم بها الأدمغة تحت سيطرة الآخر، انها مخاطبة للعواطف والوجدان والإنفعالات اكثر من مخاطبة العقل والمنطق، لذلك تتم السيطرة على العقل البشري وتوجيهه لغايات مرسومة، أما أهم  الآثار الناتجة لذلك تكمن في : الإحساس بالدونية والضعف ، كراهية الذات واحتقارها ، قتل الروح المعنوية  ،وعدم الثقة بالنفس مما يجعله يتقبل آراء الآخرين وأفكارهم  ويخدم مصالحهم، ضعف القدرات العقلية، إستنزاف نفسي كبير، وغيرها
ولكي لا يقع الإنسان لقوى الشرّ الكامن في غسل الدماغ يبقى أن العلم والوعي والإدراك هم الترياق والعلاج من هذه الآفة، فالإنسان كائن تحركّه عواطفه لكن العقل هو المقود الفعاّل ، والآخذ بالإنسان نحو التحرّر والتمييز، كما وأنه مع مرور الزمن يصبح الإنسان أكثر قدرة على إستخدام العقل للتحكم بذاته ، كما وتتلاشى الأفكار والقيم المأخوذة من أثر غسيل الدماغ، أي لم تعد العواطف والغرائزهي التي تقوده انما العقل هو السيّد وهو السمّة البارزة، وما نظرية بافلوف عن الإنعكاس الشرطي الا دليل على ان النشاط العقلي هو المقود والحاكم الرشيد ، فقد قام بافلوف بتجربة حين قام بتقديم اللحم الى الكلب ويرافقه رنّ الجرس لذلك، وبعد مرور أيام على هذه التجربة، لاحظ ان عند رن الجرس بدأ لعاب الكلب بالسيلان قبل وصول الطعام ( قطعة اللحم ) إلى فمه وأن لعاب الكلب يسيل لمجرد رؤية من يقدم له الطعام أو لدى سماع خطواته.
وهذا ما اسماه بافلوف ظاهرة الإنعكاس الشرطي كما وسمي الجرس اسم المثير الشرطي أي ثمة استجابة شرطية للمثير الشرطي ، وعليه بالعقل نحيا وبالعقل نرقى وبالعقل نبني حضارة ونصل الى اكبر الإختراعات والحقائق العلمية، لكن لا بد من ان نعقل بقلوبنا، أي ان التعقل قلبيا يقودنا الى معرفة مفاتيح السعادة والتقدم والتطور، هذه المفاتيح التي تفتح لنا أبواب العلم والمعرفة والإبداع والإبتكار .