رمضان لبنان أزمة مالية تتفاقم وأوضاع معيشية تثقل كاهل الناس

مع بداية شهر رمضان.. أزمة سعر الصرف تؤثر على القدرة الشرائية للبنانيين

في سياق المتابعة ” لتداعيات الانهيار الكبير لليرة اللبنانية وأثره على الحالة الاجتماعية والاقتصادية
سبق شهر رمضان ام واصلت الليرة اللبنانية انهيارها، ليصل سعرها إلى أكثر من 140 ألفًا مقابل الدولار الواحد ظهر أمس الثلاثاء،وذلك قبل أن يعود هذا الرقم ويتراجع إلى 105 آلاف ليرة.

هذا الهبوط في سعر الصرف جاء بعدما أعلن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أن البنك المركزي سيبدأ “عملية مفتوحة ومستمرة” لشراء الأوراق النقدية اللبنانية، وبيع الدولار نقدًا وفق سعر منصة صيرفة.

وقد حدد سلامة تسعيرة الدولار على المنصة التابعة للمصرف المركزي عند 90 ألف ليرة.

التطورات المالية تأتي في ظل غضب وياس لبنانيين .. نتيجة تراجع الليرة اللبنانية بوتيرة غير مسبوقة
، في مقابل التأرجح في سعر الصرف الذي يفاقم القلق في الشارع اللبناني، ما أدى لتلويح قطاعات تجارية كثيرة بالإضراب والإقفال ما لم يجد المعنيون حلولًا سريعة.

وشهدت مناطق لبنانية عدة تحركات شعبية رافضة لاستمرار الأزمة وتصاعد سعر صرف الدولار، وأُغلقت بعض الطرقات بالحجارة وحاويات النفايات.

وكان قد “تحوّل المصرف إلى مضارب بالعملة”
وعبّر المواطنون عن غضبهم عبر تويتر، متسائلين عمّن يدير سير عملية انهيار الليرة. ورأت مغردة أن مصرف لبنان “تحوّل إلى صرّاف مضارب يرفع سعر العملة الخضراء على حساب العملة الوطنية”.

وبلغ التفاعل مع وسم “الليرة اللبنانية” نحو 436 ألفًا، فيما تجاوزت التعليقات الـ145 ألفًا وقاربت المشاركات الـ15 ألفًا.

وفي هذا الإطار، تقول رئيسة جمعية الإعلاميين الاقتصاديين في لبنان سابين عويس انه : “لم يعد هناك أي مقوّمات لصمود العائلات اللبنانية بعدما فقدت الليرة أكثر من 110% من قيمتها”.

وتشير عويس في حديث لـ”العربي” من بيروت، إلى أنه “لم يعد بإمكان المواطن أن يتعامل بالليرة، لأن ومعظم المؤسسات بدأت تعتمد الدولار الأميركي لتسعير بضائعها، وأصبح الاقتصاد المحلي مدولرًا بشكل شبه تام”، لافتة إلى أن “كل السلع باتت تُباع بالدولار وفق سعر السوق السوداء”.

وتضيف الإعلامية الاقتصادية أن “مقوّمات صمود الأسرة اللبنانية تبدو ضئيلة وسط كل هذه الظروف. ومع بداية شهر رمضان، صار هاجس الجميع كيفية تأمين وجبات الإفطار”.

اللبنانيون في رمضان.. غلاء الأسعار يكوي الصائمين

يطل شهر رمضان المبارك للسنة الرابعة على التوالي، في ظل أزمة اقتصادية أرهقت اللبنانيين، وصنّفها البنك الدولي، أنها إحدى أشد ثلاث أزمات على مستوى العالم، منذ منتصف القرن التاسع عشر وسط تحديات هائلة يواجهها لبنان.

ومنذ بدء الأزمة الاقتصادية والنقدية في لبنان في أكتوبر 2019 وحتى مارس 2023، زاد سعر صرف الدولار الأميركي 90 ضعفاً مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء، ليقفز من 1520 ليرة للدولار قبل الأزمة إلى نحو 143 ألف ليرة حالياً، ما انعكس ازدياداً موجعاً في أسعار كافة السلع دون استثناء عشية شهر رمضان.

أعلى نسبة تضخم إسمي لأسعار الغذاء

وترتفع أسعار مختلف السلع في لبنان بشكل يومي وعلى مدار الساعة، فبحسب الأرقام المحدّثة للأمن الغذائي التي أصدرها البنك الدولي في مارس 2023، فقد سجّل لبنان ثاني أعلى نسبة تضخّم اسميّة في أسعار الغذاء حول العالم، للفترة الممتدّة بين شهر يناير 2022 ويناير2023، حيث بلغت 139 بالمئة، وذلك نتيجة التدهور السريع للأوضاع الاقتصاديّة، والتراجع الملفت في سعر صرف الليرة اللبنانيّة مقابل الدولار الأميركي.

ويعمل التجار والمستوردون في لبنان على تأمين دولارتهم من السوق السوداء، في ظل الأزمة التي يعاني منها القطاع المصرفي، وبالتالي فإن سعر الصرف المعتمد في الأسواق، هو الذي تحدده السوق السوداء، والذي يفوق حاليا مستوى 143 ألف ليرة للدولار، في حين يبقى سعر الصرف الرسمي المحدد من قبل مصرف لبنان المركزي، عند 15 ألف ليرة للدولار سعراً غير معمول به سوى في حالات نادرة.

لبنان يستورد 86 في المئة من الطعام

ويقول المدير العام لوزارة الاقتصاد والتجارة في لبنان الدكتور محمد أبوحيدر، في حديث لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، إن المشكلة في لبنان هو أنه يستورد ما نسبته 86 في المئة من غذائه، وبالتالي فإن أي ارتفاع بسعر صرف الدولار الأميركي في السوق السوداء، ينعكس فوراً ارتفاعاً بالأسعار، ويقابله انخفاض في القدرة الشرائية طيلة أشهر السنة، خصوصاً شهر رمضان المبارك حيث يزداد الطلب بقوة، ما يرفع الأسعار بشكل يزيد عن العادة، كالأشهر السابقة من رمضان.

ويوضح أبو حيدر أن وزارة الاقتصاد بدأت لقاءاتها مع النقابات المعنية، للتسريع بموضوع الرقابة خلال شهر رمضان على كافة المستويات، بدءاً بالمستوردين مروراً بالموزعين وصولاً إلى التجار، مع العلم أن هناك إضراباً في دوائر الحكومة على صعيد الموظفين يشل قطاع الرقابة، لكن الوزارة تقوم بكل ما في وسعها لتخطي موضوع الإضراب، حيث يتم ذلك بمواكبة من الأجهزة الأمنية والقضاء المختص، للحد من الانهيار السريع وغير المسبوق، خصوصاً في ظل جشع بعض التجار، واستغلالهم لهذه الأزمة لتحقيق زيادات في أرباحهم على حساب المواطن الذي بالكاد بات قادراً على تأمين قوته اليومي.

راتب شهري أقل من 100 دولار

وفي الوقت الذي تشهد فيه الأسواق اللبنانية موجة من الغلاء المتزايد، فإن تهاوي قيمة الليرة انعكس تدنياً في القدرة الشرائية، للأشخاص للذين يتقاضون رواتبهم بالعملة الوطنية وهم الفئة الأكبر من الموظفين والعمال في لبنان، حيث باتت رواتبهم الشهرية تساوي أقل من 100 دولار أميركي وهو مبلغ قد لا يكفيهم سوى لأيام معدودة.

المزارعون لم يكونوا أسياد قراراتهم

من جهته يرى رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان الحويك، في حديثه لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن أسعار الخضار والفواكه تزداد استناداً إلى المواسم والإنتاج، مشيراً إلى أن الزيادة التي تحصل في رمضان، تكون مدفوعة بالطلب القوي الذي يشهده الشهر عادة، مع العلم أن المزارعين اللبنانيين هذا العام، لم يكونوا أسياد قرارهم في الإنتاج والتسعير بسبب الأزمة الاقتصادية، لافتاً إلى أن الأسعار ترتفع فوق العادة في الأسبوع الأول من رمضان، لتعود وتستقر بعد ذلك وهو ما يحصل كل عام.

تراجع الاستهلاك بنسبة 70 بالمئة

ويشرح الحويك أن أسعار الخضار والفواكه والبقوليات في لبنان، شهدت زيادة كبيرة ما انعكس تراجعاً فاقت نسبته 70 في المئة في الاستهلاك، عن فترة ما قبل الأزمة، بسبب تراجع القدرة الشرائية، لافتاً إلى أن هذا الأمر أدى إلى تراجع الإنتاج الزراعي في البلاد.

ارتفاع التكاليف التشغيلية

وبحسب رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين فإن هناك العديد من العناصر التي تبرر ارتفاع أسعار الخضار والفواكه في لبنان رغم أنها منتجة محلياً، فالتكاليف التشغيلية المتمثلة بالنقل والتوضيب والمبيدات، جميعها أمور ترتبط بالدولار وتنعكس ارتفاعاً في الكلفة الانتاجية بالنسبة للمزارع.

رمضان اتى .. ومليون ليرة تكلفة طبق الفتوش في لبنان!

وليس بعيدا من هذه الاجواء سيدفع الارتفاع الكبير في الأسعار، نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار قياسا لليرة اللبنانية، سيدفع العائلات نحو “التكيف السلبي” مع هذا التضخم، إما عبر تخفيض كميات الطعام أو إلغائها من حساباتهم الرمضانية، أو الاعتماد على بدائل أقل تكلفة.

فقبل أيام من حلول شهر رمضان، أعلن رئيس الدولية للمعلومات (نشرة إحصائية محلية) جواد عدرا، على حسابه الخاص عبر “تويتر”، أن تكلفة صحن “الفتوش” للشخص الواحد، تبلغ 225 ألف ليرة على الأقل.

وقارن عدرا سعر طبق الفتوش منذ بداية الأزمة الاقتصادية التي تمر على لبنان، بالشكل التالي:

  • عام 2020 بلغت تكلفة الطبق 4,250 ليرة.
  • عام 2021 وصلت إلى 12,300 ليرة.
  • عام 2022، بلغت التكلفة 50,500 ليرة.
  • قبل أسبوع من بداية شهر رمضان 2023، تبلغ كلفة طبق الفتوش 225,000 ليرة، وهو رقم مرشح للارتفاع، وفقا لتقلبات سعر صرف الدولار.

طبق الفتوش بمليون ليرة!

وتعادل 225 ألف ليرة، الخميس، نحو 2 دولار وربع الدولار، وفق سعر صرف العملة الأميركية في السوق السوداء، التي قارب فيها سعر الدولار 104 آلاف ليرة، بينما لا يزال عدد كبير من اللبنانيين يتقاضون رواتبهم على أساس 1500 ليرة للدولار الواحد.

بالنسبة للبنانيين، فإن للفتوش مكانة خاصة:

  • الفتوش أحد أنواع السلطات التي تشتهر فيها بلاد الشام، خاصة لبنان.
  • يعتبر طبق الفتوش زينة مأدبة الإفطار الرمضانية في لبنان، إذ يتم تناوله بعد الحساء مباشرة.
  • يحتاج الفتوش إلى العديد من أنواع الخضار، أبرزها الخس والخيار والبقدونس والليمون الحامض والطماطم والنعناع الطازج والبقلة والزعتر والفجل وزيت الزيتون والخبز اللبناني المحمص.
  • إذا كانت كلفة طبق الفتوش وفق” الدولية للمعلومات” تناهز اليوم 225 ألف ليرة للشخص الواحد، هذا يعني أن كلفة الطبق العائلي لـ 4 أشخاص يقدر بمليون ليرة.
  • الرقم قابل للارتفاع في كل لحظة، مع ربطه بسعر صرف الدولار، الذي تخطى الـ100 ألف ليرة لكل دولار، دون أي رادع.

أهمية الفتوش للصائم.. وبدائل “أقل تكلفة”

في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، كشفت خبيرة التغذية ريان فراشة، أهمية الأطباق مثل الفتوش، خلال شهر الصيام، قائلة:

  • “صحن الفتوش يحتوي الكثير من الفيتامينات والمعادن والألياف ومضادات الأكسدة، أي أنه يساعد في عملية الهضم، ويزود الجسم بالمياه التي يحتاجها خلال فترة الصوم”.
  • “من الممكن استبدال الفتوش هذا العام ببعض أنواع السلطات، مثل سلطة الملفوف وزيت زيتون والحامض والثوم، أو سلطة الزعتر والبصل، أو سلطة البقلة والبندورة”.
  • “هذه البدائل أقل تكلفة على المواطن، وتحتوي على فيتامينات مطابقة للفتوش في حال عدم الحصول عليه”.

جولة ميدانية.. ماذا يقول مواطنون؟

وفي جولة لموقع “سكاي نيوز عربية” في شوارع بيروت للاطلاع على حال الأسواق، قال عدنان (56سنة): “طعامنا اليومي أصبح باهظ الثمن. لا فتوش ولا غيره، فاللحوم نهشت الرواتب ولم يبق من المائدة الرمضانية سوى التمر ورحمة الله”.

من جانبها، قالت سيدة وهي تراقب أسعار الخضروات بدهشة وأسى: “نعيش أكبر كارثة في الوجود. التجار يتلاعبون بالأسعار دون رقيب أو حسيب. سأستغني عن الفتوش والعصير واللحوم، وأتوجه نحو حشائش الطبيعة البرية”.

ماذا يعني هذا الارتفاع الصاروخي بالأسعار؟

  • في محاكاة بسيطة، ستصل كلفة الفتوش فقط لعائلة مؤلفة من 5 أفراد، ما يقارب المليون وربع المليون ليرة يوميا، عدا الأطعمة الأخرى على الطاولة.
  • سيصاحب هذا الارتفاع الكبير في “مؤشر الفتوش”، تضخما في أسعار السلع الأخرى التي عادة ما يستخدمها الصائمون على موائدهم الرمضانية في لبنان، خصوصا اللحوم والدواجن والحلويات.
  • يعني ذلك أن أغلب العائلات في لبنان ستعاني لتأمين السلع والمكونات الأساسية على موائدها خلال رمضان المقبل.

المصادر:
العربي
سكاي نيوز عربية