حقائق هامة حول المبنى المنهار في طرابلس يكشفها د.تدمري …ماذا قال لـ”حدث أونلاين”؟
لحظات بعد انهيار المبنى في منطقة الزاهرية بطرابلس، بدأت التساؤلات والاتهامات تتجه نحو “الدولة” متهمة إياها بالتقصير في معالجة الأبنية المتداعية. وبطبيعة الحال فإن المقصود بـ”الدولة” بلدية طرابلس بالدرجة الأولى، كونها المسؤول المباشر، برأي الناس، عن هذه الأبنية. فهل هذا هو الحال فعلاً؟ وهل بالإمكان أفضل مما كان؟
رئيس لجنة الآثار والتراث في بلدية طرابلس د.خالد تدمري أكد أن هذا المبنى يحتل منذ ثلاث سنوات، صدارة الأبنية التراثية المعرضة للخطر، بعد شكاوى ومشاهدات عدة من السكان المحيطين به، تؤكد وجود “حركة غير اعتيادية” وتفريغ حجارة وفكفكة، خاصة خلال الليل.
ولفت د.تدمري في حوار مع “حدث أونلاين” أن المديرية العامة للآثار في وزارة الثقافة كانت دائماً تشدد على رفض إعطاء رخصة هدم، وتؤيد إعادة الترميم مع السماح للمالك بالتطوير ضمن شروط تراثية معينة، تفرضها المديرية، إلا أن هدف المالك كان إزالة المبنى، رغم أنه ذو طابع تراثي، وهو جزء من نسيج عمراني متكامل، على امتداد الشارع.
وأشار د.تدمري إلى أن استبدال الأبنية التراثية بأخرى باطونية، ينطوي على منافع ومكاسب مادية بالنسبة إلى المالكين، ولكن في ما يتعلق بالحفاظ على تراث المدينة وإمكانية استثماره، بشكل معاصر، فإن هدم هذه الأبنية يعتبر خطوة فاشلة بامتياز.
وكشف د.تدمري أنه “لدى انهيار أحد الأبنية في ضهر المغر قبل فترة، وأثناء جولة للهيئة العليا للإغاثة والمديرية العامة للآثار، كان تأكيد على أن الدولة ليست لديها الإمكانية لترميم كل الأبنية المتصدعة، لأن القانون لا يفوض البلدية ولا المديرية الدفع من خزينة الدولة لترميم الأملاك الخاصة. كما أن هذا الأمر يحتاج، في حال المضي فيه، إلى إنشاء صندوق متخصص تجمع فيه الأموال بقرار من مجلس النواب أو الحكومة أو عبر هبات خارجية. ولكن، مع الأسف، يضيف د.تدمري “لم تتم أي خطوة من قبل الحكومة رغم إحصاء هذه الأبنية وتعدادها، وتقدير الكلفة التقريبية لإنجاز هذا الصندوق”.
وأضاف: “بعد زلزال تركيا وما رافقه من هزات ارتدادية وصلت إلى لبنان، تحرك الموضوع من جديد، وتم إقرار تشكيل لجة سريعة للكشف على الأبنية في طرابلس، وتم العمل من قبل البلدية مع المتطوعين من نقابة المهندسين والجامعة اللبنانية، لإحصاء الأبنية المتداعية والمتصدعة، ولكن النتيجة كانت إخلاء بعض المباني وتأمين مساكن مؤقتة لسكانها بتمويل مباشر من الهيئة العليا للإغاثة. وفي ظل محدودية موارد الهيئة، فان أكثر من 400 مبنى في المدينة لا تزال تحتاج إلى معالجة.”
وأشار تدمري إلى أنه “من غير المنتظر من الدولة أن ترمم الأبنية الأثرية، في ظل الوضع المهترئ الذي تعاني منه. أما بالنسبة إلى المبنى المنهار في الزاهرية، فقد اعرب د.تدمري عن تفاجئه بظهور كتاب موقع من وزير الثقافة إلى البلدية، ولم يتم إبلاغه به كرئيس للجنة الآثار والتراث. وينص على أن الوزير أعطى الإذن لصاحب العقار بهدم المبنى، ليس استناداً إلى رأي المديرية العامة للآثار التي رفضت، ولا تزال، هذا الأمر. بل استناداً إلى لجنة مشكلة من قبل الوزير تضم ثمانية أعضاء، وحضر الاجتماع الخاص بهذا المبنى أربعة أعضاء من أصل الثمانية، ونتج عنه أن المبنى يمكن هدمه لعدم قيمته المعمارية”.
ووجه د.تدمري بناء على ذلك “علامة استفهام كبيرة: فكيف ينافي وزير الثقافة قراراً للمديرية العامة للآثار، من خلال لجنة شكلها بنفسه، وينافي قرار البلدية ولجنة الآثار فيها، ويتعارض مع المنحى العام للحفاظ على النسيج العمراني في المدينة القديمة؟”
وأضاف: “وكيف يتم الاعتماد على لجنة شكلها الوزير، وتم التصويت فيها من قبل أربعة أشخاص؟ وهذا يعني أنهم رموا الكرة في ملعب البلدية، ووضعوها في مواجهة الهيئات والجمعيات المهتمة بتراث المدينة.”
وأكد د.تدمري أنه “إذا حصلت سابقة بسماح البلدية بهدم مبنى تراثي في المدينة، بقرار من البلدية، فهذا يفتح الباب أمام كل من يريد التخلص من أي مبنى تراثي لطلب المعاملة بالمثل. وهذا ينافي مبدأ وزارة الثقافة في حفظ الإرث الثقافي في لبنان، وضمنه التراث العمراني. كما ينافي سياسة الوزارة في إطلاق مبادرة “طرابلس عاصمة للثقافة العربية 2024”, ويتناقض تماماً مع حضور الوزير لحفل افتتاح قصر نوفل الأسبوع الفائت، والذي ينتمي للحقبة التراثية والتاريخية نفسها والعناصر المعمارية للمبنى المنهار، مع الفارق بأن قصر نوفل تهتم به البلدية، في مقابل تعرض المبنى المنهار للهجر والإهمال والفكفكة أثناء الحرب، ولكن يمكن بقليل من الجهد، استعادة حضوره وألقه الكامل، كما حصل مع مبانٍ تعرضت لانفجار مرفأ بيروت على سبيل المثال. فكيف لوزير الثقافة أن يقوم بإجراء كهذا؟ وكيف للجنة أن تشكل لدراسة مبنى في طرابلس، ولا يكون بين أعضائها سوى طرابلسي واحد؟
ولفت تدمري ختاماً إلى أن البلدية لم تعط إذناً بالهدم بل وجهت إنذارات بضرورة الإخلاء والتدعيم، متوجهاً بأسئلة حول الانهيار: هل انهار المبنى صدفة؟ هل تم ذلك بسبب أعمال الفكفكة المتتالية؟ داعياً الأجهزة الأمنية لتحديد ذلك بناء على التحقيق الذي طالب بفتحه وزير الداخلية بسام المولوي.