امام من نعيش اليوم؟ أمام دولة أم أمام بقايا دولة ؟

د.هبة المل أيوب

اذا نظرنا بعمق للأوضاع الاجتماعية والإقتصادية التي يمرّ بها بلدنا الحبيب لبنان لأدركنا أننا نعيش في هيئة دولة ، فالمؤسسات تتساقط الواحدة تلو الآخرى، قطاع التعليم ، قطاع الإستشفاء، القطاع المصرفي ،

وغيرها من القطاعات التي بات المواطن اللبناني يشكو من تقصير الدولة في تأمين احتياجاته الملحّة،

أي ان المواطن بات يعيش في دولة ميتة سريرياً لا قدرة لها على الحراك،

او لا قدرة لها على القيام بواجباتها التي تعتبر حق من حقوق المواطن عليها، فهي دولة غير سليمة ومداخيلها شبه معدومة ، لا وبل دورها هو في تراجع مستمر لدرجة اصبحنا موقنين ان لا دور أساسي للدولة في حياة المواطن ، أمام هذا الواقع نسترجع التطورات التي مرّبها مفهوم الدولة للتأكيد اننا امام اشباه دولة ولسنا أمام دولة بكل ما للكلمة من معنى، وعليه نتساءل: هل ان تسيير الأوضاع في العصور القديمة والعصور الوسطى قبل ظهور الدولة هو مختلف عما نحن عليه الآن اذا ما تمت المقارنة بتفعيل لدورها المناط اليه؟ ؟ ما دور الفلاسفة في تحليل مفهوم الدولة ومدى الحاجة إليها ؟ الى ماذا تحدث ميكافيللي ليثبت ان النظام الجمهوري أكثر فاعلية من سواه ؟
هذه الأسئلة تضعنا امام حيرة من امرنا هل نحن حقاً بحاجة الى دولة لتسيير امورنا ام اننا نستطيع العيش في ظل قانون طبيعي ؟ ماذا تقدم لنا الدولة ؟
في الواقع يحلل ميكافيللي الفيلسوف في العلم السياسي ان السلوك هو الذي يعتبر الوسيلة للإستقصاء والوصول الى النتيجة، أي ان النظر الى طبيعة النتيجة تحدد طبيعة الفعل لذلك تغدو المصلحة هي المعيار الوحيد لكي نقيس عليه ونحكم بموجبه على الأفعال والنتائج. وبالتالي ان للشعب فضيلة في تقرير مصيره في النظام الجمهوري بخلاف الحكم الملكي، أي ان ميكافللي كان يدعو الى الدولة الديمقراطية الحرة التي يقوم فيها الشعب في تقرير مصيره، ثم أتى جون لوك الذي اعتبر ان العقل هو الآداة الوحيدة للحكم على ماهية الأشياء، فالعقل يملي لنا الضوابط والقواعد والسلوك تجاه الأفراد بعضهم ببعض، العقل هو الذي يعلم الناس اذا استشاروه انهم جميعا متساوون واحرار .
ينادي لوك بأسبقية المجتمع على الدولة حيث بإمكانية المجتمع ان يتولى أموره دون الحاجة الى دولة كما وان للمجتمع نشاطات تفوق أهمية وقيمة النشاطات التي تقوم بها الدولة ، هذه الأفكار تضعنا أمام تساؤل كبير، امام من نعيش اليوم؟ أمام دولة أم أمام بقايا دولة ؟
في الواقع تكثر المطالب اليوم من الدولة الرعاية، مطالب في القطاع التربوي حيث الحقوق غير مؤمنة، وبالتالي بتنا نواجه عجز الدولة عن قدرة تأمين حقوق الأساتذة والمعلمين، وبالمقابل يعاني الأستاذ أو الأستاذ
الجامعي من اهمال لحقوقه الاجتماعية .أضف الى ذلك معاناة المواطنين من خسارة ودائعهم الذين سجلوا احتجاجات من مأساة ما آلت اليه الأمور، أي ان الدولة عاجزة عن نشر الطمأنينة في النفوس فالمواطن يعيش القلق والخوف امام الغلاء الكبير للأسعار أي ان الوضع بات اشبه بمافيا تسعى لتحصيل اكبر قدر ممكن من الضرائب لسداد ديونها، نقول انها دولة مفلسة وعاجزة بكل ما للكلمة من معنى ، الأكثر من ذلك بات الخوف هو الملح اليومي للمواطن أمام التصاعد الجنوني للدولار والإنهيار الكبير لليرة اللبنانية .
نقول أخيرا هل نحتاج الى العقل البشري للتوازن ولتنظيم العلاقات الاجتماعية وتحديد حقوق الأفراد وواجباتهم ام نحتاج الى قيام دولة ، من البديهي القول اننا بحاجة الى رجال دولة لديهم عقل واعي ونظرة ثاقبة ، ولسنا بحاجة الى رجالات ينشرون الفساد أينما وجدوا وينشرون التحايل والمواربة والغش والتدليس، ربما اثبتوا الفلاسفة ان العقد الاجتماعي هو الإنتصار للعقل على الدولة وها نحن اليوم نصل عبر تحليلنا لإثبات ما وصلوا اليه الفلاسفة المعاصرون آنذاك، فهل تضعنا المستجدات اليومية امام تغيير لمعتقدنا لنقول ان ثمة اسبقية للمجتمع على الدولة ؟